الثلاثاء، 1 مايو 2012

-الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة-

                           -الجزر الإماراتية الثلاثة المحتلة-
كان الدول العربية المحافظة مثل المملكة العربية السعودية والأردن ومصر المعتدلة في عهد أنور السادات، غير راغبة في مواجهة إيران بشأن الجزر الثلاث. وربما يعود ذلك التردد (جزئياً)، لأحساسهم ان وجود إيران تحت زعامة الشاه يشكل عامل توازن إزاء النظام البعثي الاشتراكي العربي الراديكالي في العراق الذي يضمر مزاعم في تبعية الأراضي الكويتية له، ولديه مخططات سياسية لفرض زعامته أو قيادته على منطقة الخليج والعالم العربي بأسره. بل قبل تلك الفترة حينما أكد العراق في ظل قيادة عبد الكريم قاسم مطالبته بالكويت مباشرة عقب نيل الأخيرة استقلالها عام 1961، بادرت المملكة العربية السعودية والأردن ومصر في عهد عبد الناصر إلى المساهمة بقوات عسكرية تحت إشراف جامعة الدول العربية للانضمام للقوات البريطانية للدفاع عن دولة الكويت.
كان الدول العربية المحافظة مثل المملكة العربية السعودية والأردن ومصر المعتدلة في عهد أنور السادات، غير راغبة في مواجهة إيران بشأن الجزر الثلاث. وربما يعود ذلك التردد (جزئياً)، لأحساسهم ان وجود إيران تحت زعامة الشاه يشكل عامل توازن إزاء النظام البعثي الاشتراكي العربي الراديكالي في العراق الذي يضمر مزاعم في تبعية الأراضي الكويتية له، ولديه مخططات سياسية لفرض زعامته أو قيادته على منطقة الخليج والعالم العربي بأسره. بل قبل تلك الفترة حينما أكد العراق في ظل قيادة عبد الكريم قاسم مطالبته بالكويت مباشرة عقب نيل الأخيرة استقلالها عام 1961، بادرت المملكة العربية السعودية والأردن ومصر في عهد عبد الناصر إلى المساهمة بقوات عسكرية تحت إشراف جامعة الدول العربية للانضمام للقوات البريطانية للدفاع عن دولة الكويت.
كان رد فعل مصر في عهد جمال عبد الناصر، والتي اعتادت انتقاد مشيخات الخليج مثل دولة الكويت وكانت تصفها بأنها وكلاء للإقطاع والإمبريالية، في هذه الحالة من منطلق التنافس الجيوسياسي بينها وبين العراق. ولدى مجيء حكومة البعث إلى الحكم في العراق عام 1968، لم تتردد هي الأخرى من الكشف عن نواياها المهددة لأمن وسلامة الأراضي الكويتية. ففي آذار/ مارس 1973 احتل العراق نقطة عسكرية كويتية متقدمة، وأعلن خلال الفترة 1973-1976 مزاعمه في تبعية جزيرتي بوبيان ووربة الكويتيتين القريبتين من ميناء أم قصر، الأمر الذي حفز المملكة العربية السعودية لإرسال قوات عسكرية لمساعدة القوات الكويتية مجدداً في عام 1973. وخلال الفترة 1968-1975 درج النظام البعثي العراقي على مساعدة (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) وأنصارها في الدول الخليجية الأخرى، الأمر الذي كان يشكل خطراً ثورياً على استمرارية الأنظمة المحافظة في الخليج العربي. كما قام العراق أيضاً بتمويل ودعم المخطط الانقلابي الذي انتهى بمقتل حاكم إمارة الشارقة في كانون الثاني/ يناير1972.
كذلك كانت المملكة العربية السعودية والأردن ومصر في عهد السادات تنظر إلى إيران كعامل توازن كابح للتحدي الشيوعي الذي كان يشكله النظام الراديكالي في اليمن الجنوبي، الذي وصل للحكم في عدن عقب الانسحاب البريطاني عام 1967، إضافة إلى تحدي (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي). وكانت هذه الجبهة، بمساعدة من اليمن الجنوبي، تقود تمرداً في محافظة ظفار العُمانية وتسعى لإطاحة (الامبريالية وأذنابها الحكام الإقطاعيين) ليس في سلطنة عُمان فحسب بل في جميع الدول الخليجية. وكان كل من اليمن الجنوبي والجبهة الشعبية يتلقيان مساعدات عسكرية من الصين والاتحاد السوفيتي وألمانيا الشرقية وكوبا. وبالمقابل قدم الملك فيصل مساعدات مالية للسلطان قابوس بن سعيد عامي 1971 و 1972، فيما بعث الأردن بقوات عسكرية إلى السلطنة عام 1975.
وكان لإرسال شاه إيران قوات عسكرية إلى عُمان في الفترة 1973-1978، تأثير كبير وحاسم في هزيمة (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي)، التي تمت إعادة تسميتها عام 1974 لتصبح الجبهة الشعبية لتحرير عُمان لتعكس وقتها أهدافاً أضيق نطاقاً. بالإضافة إلى ذلك سجل الشاه نجاحات دبلوماسية بإقناعه بكين وقف الدعم للجبهة عام 1973، بالإضافة إلى وقف المساعدات العراقية من خلال مقررات اتفاقية الجزائر بين طهران وبغداد عام 1975. وعقب حدوث تغيير في سياسة اليمن الجنوبي ووقوع تقارب بينه وبين المملكة العربية السعودية عام 1976، توسطت الرياض ونجحت في توقيع وقف إطلاق النار بين عدن ومسقط عام 1976، وفي الواقع وجد كل من المملكة العربية السعودية والأردن في إيران طرفاً مساعداً ومتعاوناً في أثناء الحرب الأهلية في اليمن الشمالي في الفترة 1962-1967، إذ وقفت طهران إلى جانب القوات الملكية المدعومة من قبل المملكة العربية السعودية والأردن ضد القوات الجمهورية المدعومة من قبل مصر في عهد عبد الناصر.
وبطبيعة الحال، فإن المملكة العربية السعودية التي تمتلك ثاني أطول ساحل على الخليج، كان لها هواجسها ومخاوفها إزاء تطلع الشاه للهيمنة على الخليج وتنامي قوته وقدراته العسكرية، بما في ذلك الوجود العسكري الإيراني في ظفار وشبه الجزيرة العربية. وساهمت تلك العوامل في حفز الاهتمام السعودي بقضية الجزر الإماراتية، بيد أن الرياض ظلت ترى في إيران الشاه ثقلاً مهماً في التصدي للتحديات الأيديولوجية والعسكرية التي يمثلها العراق واليمن الجنوبي (والجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي). وتمكن الشاه ووزير خارجيته من إقامة علاقة جيدة مع المملكة العربية السعودية قائمة على النوايا الحسنة، من خلال تركيزها في كل المناسبات على الحاجة إلى تعزيز التعاون المشترك ضد الراديكاليين في المنطقة، وذلك في محاولة منها لتخفيف حدة انتقادات المملكة العربية السعودية لاحتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث. وبناء عليه، قام عمر السقاف، وزير الخارجية السعودية بالوكالة، بإبلاغ السفير الامريكي لدى الرياض في مطلع كانون الأول/ ديسمبر 1971، بأن السلوك الإيراني إزاء الجزر، قد أثار إحساساً بالمرارة وسط العرب، بيد أن رد الفعل السعودي المعتدل يستند إلى إدراك الرياض بأن التوافق والانسجام السعودي – الإيراني في غاية الحيوية للمصالح السعودية ولأمن المنطقة.
وفي الواقع، تمكنت المملكة العربية السعودية وإيران عام 1968 من إيجاد حل للنزاع بينهما حول المياه الإقليمية لكل منهما في الخليج، بما في ذلك الجزر وحقول النفط والامتيازات النفطية في المنطقة. فقد اعترفت إيران بسيادة المملكة العربية السعودية على جزيرة (العربي) بينما ذهبت جزيرة (فارسي) لطهران. بل إن الشاه تخلى عن مزاعم إيران في البحرين وقبل برغبة الشعب البحريني في الاستقلال عام 1970، واعترف بإعلان المنامة للاستقلال في آب/ أغسطس 1971. وقد شكل هذا التطور نجاحاً وإنجازاً كبيراً للمملكة العربية السعودية التي تمسكت بموقف حازم إزاء عروبة دولة البحرين واستقلالها خلال كافة الاتصالات مع إيران.
كذلك كانت المملكة العربية السعودية تسعى للتعاون مع إيران في القضايا المتصلة بالنفط أو على الأقل منع أو الحد من المنافسة في هذا المجال. غير أنهما لم يصادفا نجاحاً كبيراً في ذلك، في ضوء رفع إيران لحجم إنتاجها في وقت كانت فيه المملكة تعمل على خفض الإنتاج بوصفه إحدى وسائل الضغط على المستهلكين الغربيين الذين يدعمون إسرائيل. وعقب الحرب العربية – الإسرائيلية عام 1973، فرضت المملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى المنتجة للنفط حظراً نفطياً على الدول الغربية الداعمة لتل أبيب، وعززت هذا الإجراء بتخفيضات عدة في الإنتاج، بيد ان إيران لم تشارك أو تتعاون في هذين الإجراءين. وعقب تلك التخفيضات تمكنت منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، بطلب من إيران وفنزويلا، مع رفع أسعار النفط بمستوى كاد يعصف بالاقتصادات الغربية. وسعت المملكة العربية السعودية مجدداً إلى تأمين دعم إيران لخفض وتثبيت الاسعار، غير ان الأخيرة عارضت ورفضت التعاون مع الرياض في هذا المجال، ولم يتمكن البلدان من التوصل لاتفاق على السياسات النفطية إلا في عام 1977.
وربما كانت خلفية الخلاف الحدودي بين الرياض وأبوظبي عاملاً انعكس على الموقف السعودي، الذي لم يُلق بكل ثقله لدعم دولة الإمارات العربية المتحدة في نزاعها مع إيران حول الجزر. ويلاحظ ان كلاً من المملكة العربية السعودية ودولة الكويت وقفتا مبدئياً مع فكرة قيام اتحاد الإمارات العربية التسع (بإضافة إلى كل من قطر والبحرين) على مدى سنوات التفاوض في الفترة 1968-1971، لأنهما اتفقتا من جهة مع وجهة النظر البريطانية القائلة بأن إقامة مثل هذا الاتحاد سيعزز الأمن في منطقة الخليج عقب الانسحاب البريطاني، ومن جهة ثانية فقد كانتا تنظران إلى هذا الاتحاد على أنه يمكن ان يكون حائط صد مضاداً لانتشار نفوذ الحركات العربية الراديكالية في المنطقة مثل (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي)، وضد تسلل القوى الراديكالية الأخرى من الخارج إلى المنطقة.
قال الملك فيصل في أيار/ مايو 1968، إن المملكة العربية السعودية تدعم قيام الاتحاد بين الإمارات العربية (بدون شروط). لكن عندما قام الشيخ زايد حاكم أبوظبي بزيارة المملكة في أيار/ مايو 1970، للتعبير عن هواجسه إزاء المخاطر التي تمثلها (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) وتطلعه إلى مساعدة سعودية لاحتواء ذلك التهديد، حذر الملك فيصل الشيخ زايد من ان الرياض لن تعترف باتحاد الإمارات التسع ما لم يتم الاعتراف بالمطالب السعودية في تبعية المنطقة الشرقية من شبه الجزيرة العربية. كما طالب الملك فيصل بوقف عمليات شركة أبوظبي للبترول في المنطقة التي تزعم المملكة العربية السعودية ملكيتها لها، وهدد باستخدام القوة لوقفها إن لم يفعل الشيخ زايد ذلك بنفسه. وعند قيام دولة الإمارات العربية المتحدة عام 1971 رفضت المملكة العربية السعودية الاعتراف بها أو إقامة علاقات مع دولة الاتحاد التي تألفت حينها من ست إمارات. كما انها عارضت قبول عضوية الدولة الوليدة في جامعة الدولة العربية. ولم تعترف الرياض بدولة الإمارات العربية المتحدة إلا بعد أن حصلت المملكة العربية السعودية على منفذ للخليج بين دولة قطر وإمارة أبوظبي عبر منطقة خور العديد ومعظم الأراضي التي تضم حقل نفط شيبة/ زرارة، وذلك مقابل تخلي الرياض عن مزاعمها في منطقة البريمي/ العين، الأمر الذي مهد لتسوية النزاع الحدودي في تموز/ يوليو 1974، والذي اعترفت المملكة العربية السعودية على إثره بدولة الإمارات العربية المتحدة.
وبالمثل كانت كل من دولتي البحرين وقطر وسلطنة عُمان غير راغبة في مواجهة إيران. كما كانت ترى في إيران عامل توازن ضد العراق واليمن الجنوبي و(الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي). ولعل هذا ينطبق ان ينسحب على سلطنة عُمان بصفة خاصة، باعتبار أنها الأكثر تعرضاً للخطر المباشر من قبل (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي). أضف إلى ذلك ان إيران اعترفت بسرعة باستقلال دولة البحرين في آب/ أغسطس، ودولة قطر في أيلول/ سبتمبر 1970، وأقامت معهما علاقات دبلوماسية، وأعلنت انها ستؤيد انضمامهما للأمم المتحدة. كما دعمت إيران انضمام عُمان إلى عضوية الأمم المتحدة في تشرين الأول/ أكتوبر 1970.
لم ترغب هذه الدول الثلاث في تهديد تلك المكاسب، كما أنها لم تكن ترغب في تقويض اتفاقيات حدودية راسخة تقر بخط الحدود البحرية بين البحرين وإيران، واتفاقية عام 1969 بين قطر وإيران، واتفاقية الحدود بين الدوحة والرياض عام 1965. ومن جانبها كانت سلطنة عُمان حريصة على التوصل إلى اتفاق حول الحدود البحرية مع إيران، وهو ما حدث بالفعل عام 1974. ولعل من بين العوامل الأخرى قضية الحدود التي لم تحسم بعد حتى ذلك الوقت بين دولة الإمارات العربية المتحدة وسلطنة عُمان، بالإضافة إلى حالة الاستياء التي كانت باقية بين أبوظبي وقطر حول التسوية التي تم التوصل إليها خلال الستينيات من القرن الماضي حول الحدود البحرية والجزر المتنازع عليها بين الجانبين، والتي أعطت قطر ثلاثاً من الجزر الأربع فيما آلت الأخيرة لأبوظبي. وأخيراً ربما كانت الدول الثلاث ( قطر والبحرين وعُمان) تخشى من قوة المملكة العربية السعودية التي ظلت دائماً الجارة الأقوى في المنطقة.
وعلى الرغم من ان دولة الكويت، التي حاولت التوسط لحل النزاع حول الجزر قبل بضعة أشهر من الاحتلال الإيراني، تعد من الدول العربية المحافظة، فقد شجبت بقوة السلوك الإيراني العدواني. ولعل مبادرة دولة الكويت بالتوسط بين أطراف النزاع وانتقادها العنيف لاحقاً لطهران نابعان من هواجس هذه الدولة بأن سلوكاً من قبيل الاحتلال الإيراني للجزر من شأنه أن يثير سياسات أكثر عدوانية في منطقة الخليج من قبل العراق الراديكالي، إضافة إلى استعداء العناصر الراديكالية داخل دولة الكويت نفسها. وبالقدر نفسه تتفق دولة الكويت مع وجهة نظر المملكة العربية السعودية وبقية الدول المحافظة في المنطقة التي ترى ان إيران تشكل درعاً واقية ضد توسع نفوذ الراديكاليين العرب في منطقة الخليج وبالتالي ينبغي عدم إقصائها.
لمزيد من دقة التحليل ينبغي تأكيد ان تنامي القوة الإيرانية وطموحها وضعا دولة الكويت في وضع غير مريح. ويتجلى ذلك في رد فعل صحيفة إيرانية، عقب صدور بيان كويتي – عراقي مشترك حول احتلال الجزر يقول ان الجزر عربية، لتذهب الصحيفة الإيرانية للقول ان دولة الكويت تتبنى موقفاً منحازاً للسياسة العراقية، محذرة من أن موقفاً كهذا سيضر بالمصالح الكويتية. ومع ذلك فقد عرضت إيران على دولة الكويت مساعدات عسكرية عندما توترت علاقات الأخيرة بالعراق عام 1973. ومن القضايا الأخرى المؤثرة في الموقف الكويتي اتفاقية الحدود البحرية مع طهران والموقعة في عام 1965، إضافة إلى ان دولة الكويت نفسها سخرت علاقاتها الجيدة بالأطراف المعنية لحل المسألة البحرينية. وقد أشار المندوب الكويتي في مداولات مجلس الأمن في كانون الاول/ ديسمبر 1971 إلى ان بلاده (تثمّن) قرار الشاه بشأن البحرين.
وبالنسبة إلى الدولة العربية الواقعة خارج منطقة الخليج، ربما يعزى عدم رغبة مصر في مواجهة إيران، إلى انشغالها بصفة خاصة بالصراع العربي – الإسرائيلي. وكانت مصر الناصرية قد قطعت علاقاتها الدبلوماسية مع إيران الشاه، جزئياً، بسبب اعتراف طهران بحكم الأمر الواقع بإسرائيل وببيعها النفط لها. بيد ان العلاقات بين مصر وإيران شهدت بعض التحسن عقب هزيمة 1967 التي نتج عنها احتلال إسرائيل لشبه جزيرة سيناء. وأدى انشغال مصر باسترداد سيناء، إلى انسحاب القوات المصرية من اليمن الشمالي، حيث كانت تدعم القوات الجمهورية، كما تسبب بتراجع اهتمام القاهرة بالقضايا والتطورات في منطقة الخليج.
ويعود تحسن العلاقات بين الدولتين لكون إيران بدأت تدعم المطالب العربية بانسحاب إسرائيل من الأراضي التي احتلتها عام 1967 وإقامة دولة فلسطينية على الأراضي الفلسطينية. كما ان إيران اصبحت تعارض السياسة الإسرائيلية في القدس. وأدت هذه التحولات إلى إعادة العلاقات الدبلوماسية بين القاهرة وطهران في آب/ أغسطس 1970، أي قبيل وفاة الرئيس جمال عبد الناصر بصورة مفاجئة. وكان الرئيس السادات يريد المحافظة على التقارب مع إيران وتطويره، معتبراً دعم الشاه مهماً جداً في حل الصراع العربي- الإسرائيلي، إما من خلال الاستفادة منه في توظيف الدبلوماسية الأمريكية أو في تقديم الدعم في أي حروب مقبلة. ولقاء ذلك طالبت طهران بل حصلت على امتناع مصر عن التدخل في الخليج، وبصفة خاصة ما أبدته مصر في عهد السادات من (حياد) إزاء قضية الجزر. كما كان السادات حريصاً على التقارب مع المملكة العربية السعودية والمحافظة على علاقات جيدة مع الأردن منطلقاً من قناعة ان هاتين الدولتين سوف تشكلان عاملين حاسمين في دعم استراتيجية مصر تجاه إسرائيل، ولذلك رأى انه عليه دعم سياسة البلدين (الحذرة) إزاء الجزر الإماراتية. وفي الواقع أورد علي حميدان ان السادات أشار في إحدى المرات إلى الجزر على أنها ( مجموعة صخور لا تستحق كل هذه الضجة).
لقد أعطى الشيخ زايد قضية الجزر، عقب احتلالها مباشرة من قبل إيران، بُعدها العربي، أي انه تمكن من طرحها كقضية قومية، من خلال الإشارة إليها على انها (جزء من الأمة العربية)، وأعرب عن الحاجة إلى (دعم عملي) من الدول العربية. بيد ان دولة الإمارات العربية المتحدة لم تتلق إلا دعماً محدوداً من جامعة الدول العربية، كما يشهد على ذلك ضعف قرارها الصادر في كانون الاول/ ديسمبر 1971، وقرارها الآخر الصادر في تموز/ يوليو 1972، إضافة إلى محاولات الوساطة (الحذرة) عقب هذين القرارين. وأدركت دولة الإمارات العربية المتحدة ان المملكة العربية السعودية وبقية الدول العربية المحافظة، لم تكن ترغب في الدخول في مواجهة مع إيران، وان جامعة الدول العربية لا تتبنى موقفاً موحداً إزاء الجزر، وان مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة لم يكن مستعداً بعد لاستصدار توصيات بهذا الصدد.
وفي ظل هذه المعطيات والظروف لم يكن بيد دولة الإمارات العربية المتحدة من خيارات تذكر لتسوية النزاع حول الجزر. أضف إلى ذلك انه كان مفهوماً جداً ان تنظر دولة الإمارات العربية المتحدة بشيء من الشك والريبة للتعهدات التي تلقتها من الدول العربية الراديكالية بدعم قضية الجزر. ذلك ان العراق كان قد رفض الاعتراف بدولة الإمارات العربية المتحدة لدى إعلان قيام الاتحاد وعارض انضمامها لعضوية جامعة الدول العربية والأمم المتحدة، مصمماً على ان تلبي الدولة الوليدة عدداً من الشروط التي طرحها حول احتلال إيران للجزر وهجرة المواطنين العرب الراغبين إلى أراضي الإمارات. وقد قام العراق بدعم الانقلاب الذي استهدف حاكم إمارة الشارقة. وعلاوة على ذلك، ظلت بغداد تدعم اليمن الجنوبي (والجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي). وبدوره رفض اليمن الجنوبي عضوية دولة الإمارات العربية المتحدة لدى كل من جامعة الدول العربية والأمم المتحدة. وفي أثناء مداولات مجلس الأمن الدولي حول قضية الجزر، وصف اليمن الجنوبي حكام المنطقة بـ (المتعاونين) مع الاستعمار وتعهد بقيام (الجبهة الشعبية لتحرير عُمان والخليج العربي) المدعومة من طرفه بتحرير كامل التراب الخليجي، الذي يضم بطبيعة الحال دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية وبقية الدول المحافظة في المنطقة. أما الجزائر وليبيا فإن موقعهما الجغرافي البعيد لا يسمح لهما بتهديد دولة الإمارات العربية المتحدة أو بتقديم الدعم لها أكثر من البيانات الإنشائية، وذلك على الرغم من تهديد طرابلس باستخدام القوة ضد إيران.
لم يتم تطبيع العلاقات الإماراتية – السعودية إلا في عام 1974 حين حسم الخلاف الحدودي بين البلدين واعترفت الرياض بدولة الإمارات العربية المتحدة. وفي نيسان/ إبريل 1975 أعربت المملكة العربية السعودية عن التزامها بالدفاع عن دولة الإمارات العربية المتحدة ضد أي خطر يتهددها. ودعمت في عام 1976 القوى المنادية باتحاد أكثر تماسكاً وقوة تحت القيادة المستمرة للشيخ زايد في مواجهة القوى الداعمة للامركزية. وشهد الجزء الأخيرة من العام 1976 توقيع اتفاقية أمنية بين دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية. وظلت دولة الإمارات العربية المتحدة على مدى تلك السنوات داعمة للسياسات السعودية الإقليمية وللسياسات النفطية التي تبنتها المملكة العربية السعودية. بيد ان تلك الوضعية مكنت المملكة العربية السعودية من الضغط على دولة الإمارات العربية المتحدة كي لا تلجأ إلى التصعيد في قضية الجزر على مدى هذا السنوات.
وبالإضافة إلى ذلك، يلاحظ تراجع اهتمام الدول الأخرى بقضية الجزر لدرجة ان العراق لم يثر هذا الموضوع على مدى الفترة 1975-1979. فقد تمكن صدام حسين، نائب الرئيس العراقي آنذاك، وشاه إيران من توفير مناخ من التقارب المؤقت في ضوء توقيع اتفاق الجزائر في آذار/ مارس 1975. وقضى الاتفاق بان تكون الحدود البحرية بين العراق وإيران عند منتصف قناة شط العرب (خط التالوك)، وهو تنازل مفاجئ ما كان لبغداد ان تقدمه. وفي المقابل، اوقف الشاه دعمه للتمرد الكردي في شمال العراق، الأمر الذي مكن بغداد من القضاء السريع على الحركات المسلحة في كردستان. أضف إلى ذلك ان العراق وافق على قبول الوضع القائم في منطقة الخليج على حاله.
وبحسب مجلة الأزمنة العربية فإن اتفاقاً سرياً بين صدام والشاه جرى إبرامه لدى توقيع اتفاق الجزائر. وذكرت المجلة أن بموجب هذا الاتفاق السري وافق العراق على تجميد مطالبته بتحرير جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى. وبطبيعة الحال فإن العراق الذي أجبر على تقديم تلك التنازلات الخاصة بشط العرب، لم يكن في وضع يمكنه من طرح مطالب خاصة بالجزر على مدى السنوات الأربع التي أعقبت توقيع اتفاق الجزائر.
وكمحصلة للخلافات التي عصفت بالعلاقات العربية خلال السبعينيات من القرن الماضي، لم يكن بمقدور الدول العربية إحباط المخططات الإيرانية في الجزر الثلاث ناهيك عن وضع حد للاحتلال الإيراني لها. وبحلول الانسحاب البريطاني من الخليج عام 1971 وحلول الموعد النهائي الذي حدده الشاه لفرض سيطرته على جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبوموسى، حاولت إمارتا الشارقة ورأس الخيمة الحصول على دعم العالم العربي لمنع الاحتلال، بيد أن الاستجابة كانت ضعيفة ولم تحقق أي نجاح.
وعقب احتلال إيران للجزر، كان رد الفعل العربي أكثر وضوحاً فيما يتصل بهذه القضية ولكن دون جدوى. ويعود السبب في ذلك إلى التفوق العسكري الإيراني على الدول العربية وانشغال العالم العربي بالصراع مع إسرائيل، والخلافات السائدة في العالم العربي بين الدول الراديكالية والاشتراكية والقومية الموالية لموسكو من جهة والدول العربية المحافظة والوراثية المتحالفة مع واشنطن في الجهة المقابلة، فضلاً عن مواقفهم المتباينة إزاء دور إيران في المنطقة. وبينما كان العرب الراديكاليون ينظرون إلى إيران على انها مصدر خطر في المنطقة، كان المحافظون يتعاملون (بحذر) معها معتبرين طهران شريكاً أمنياً محتملاً ينبغي عدم اللجوء إلى تحديها أو عزلها بسبب قضية احتلال الجزر الإماراتية.
وبالنتيجة فإن دولة الإمارات العربية المتحدة لم يكن لديها من خيار آخر على مدى السبعينيات من القرن الماضي، سوى التعامل في إطار هذه القيود والمحددات العملية والتمسك بتأكيد حقها في السيادة على الجزر الثلاث المحتلة. أما في الثمانينات ومطلع التسعينيات من القرن نفسه، فقد ظهرت محددات مختلفة لتفرض نفسها على الحياة السياسية في العالم العربي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

لايجب ان يكون التعليق مسيئ للآخرين